استوقفنا احد الزملاء اليوم ونحن في طريقنا الى ما يصح ان يطلق عليه "ملتقى الصحفيين" مكتبة الضحى وسط "الدواسة"، الزميل بدى متحمسا للحديث بعد فترة طويلة من الانقطاع عن الساحة بسبب وعكة صحية تعرض لها مؤخرا جعلت منه حبيس المنزل، يقول الزميل في حديثة ان ابنته التي تدرس في كلية الطب تمنعه تناول العقاقير الكيميائية بسبب اعراضها الجانبية، وهي تسمح له فقط بتناول مسكن واحد في حال اشتد المرض عليه، فهي تؤكد له ان الفواكه والخضر كفيلة بمعالجة وعكته الصحية، حديث الزميل لنا كان طويلا وذو شجون الا انني لم انتظر انتهاءه وربطه بحديث اخر او مناشدة تلقيتها من احد المواطنين قبل ايام، المسكين (كما يدعي بهتانا على الاطباء!) يؤكد ان عدد من الاطباء يتعاملون مع المرضى كأنهم ليسوا بشرا، ولا ينتمون للإنسانية التي يعمل من اجلها الاطباء ويرددوها في كل الاوقات والميادين، بل وصل الحال بأحدهم ان يطلب من المريض اثناء زيارة الاخير له في احدى المستشفيات مراجعة عيادته الخاصة من اجل استحصال مبلغ الكشفية "15000" دينار، ناهيكم عن كم من الاهانات التي توجه للمرضى من قبل (اصحاب الانسانية) في كل مراجعة، وامثلة اخرى كثيرة تبين مدى تدني المستوى الاخلاقي والانساني الذي آل اليه العديد من اطبائنا اليوم، حديث الزميل والد طبيبة المستقبل التي اتمنى من كل قلبي ان تحافظ على انسانيتها تجاه (اللا انسان العراقي بنظر البعض) وان تعامل الاخرين بمثل ما تعامل والدها، دفعني للتفكير مطولا عما يدور خلف كواليس كلية الطب، وبما تحشى به عقول نوابغ المجتمع اصحاب الدرجات العالية من معلومات، فانا شخصيا حياتي (وان كانت قصيرة بنظر بعض المعمرين) لا تخلو من المواقف والذكريات التي بدأت اقلبها في راسي لعلي اجد يوما ما في احدى زياراتي الكثيرة والحمد لله لعيادات الاطباء او المستشفيات موقفا مشابها لموقف الزميل مع ابنته يحذرني فيه الطبيب من تناول العقاقير الكيميائية والاكتفاء بالفواكه والخضر، وعلى عكس ذلك فشريط ذكرياتي كان مليئا بلحظات دخولي الى العيادة او المستشفى بجيب ممتلئ المال وخروجي من الصيدلية بـ (علاقة) مليئة بعقاقير كيميائية وانا استدين من اقرب صديق التقي به على الطريق ثمن سيارة الاجرة للعودة الى المنزل، فأغلبية الاطباء الذين زرتهم سابقا كانوا يتبارون من يعطيني الوصفة الاكثر عقاقيرا وليست الوصفة الاكثر فائدة، حتى ان بعضهم كان غير متأكدا من مطابقة ما وصفه لي من علاج لحالتي المرضية، فهو لم يضطر لأجراء فحصا طبيا كاملا لكثرة مراجعيه، فاكتفى بنظرة ثاقبة من تحت نظاراته الطبية والتي اظنها "مودة" اكثر من حاجته لها، نحن بحاجة اليوم الى درس انساني اخلاقي اكثر من حاجتنا لست سنوات يتخرج من خلالها أكله لحوم بشر (ما عدا قلة زادهم الله)، واعادة نظر بالقوانين التي يعمل بها الاطباء والتي تتيح لهم فتح عيادات خاصة دون رقابة، والاهم فتح دورات اخلاقية (وعذرا للأطباء المخلصين) يدرس فيها امثال هؤلاء (الدراكوليون) كيفية التعامل مع المراجعين وما الهدف الانساني من منحهم شهادة الطب.