رنّت نغمة الهاتف التي كنت قد ضبطها على أغنية للراحل سعدي الحلي (حبيبي أمك ما تقبل من أحاجيك ، روحي معلّكه بيك) تناوله أحد أبنائي وقبل أن يسأل من المتصل ؟!.. جاءه الجواب هل هذا منزل السيد (طلال العامري) لأننا من مكتب رئيس الوزراء (المستقبلي) ونريد والدك أن يراجعنا كون الاختيار قد وقع عليه ليصبح وزيراً في الدورة القادمة وعليه أن يراجعنا غداً عند الساعة الثامنة صباحاً !.. نقل لي ابني ما دار من الحديث الذي أصابني بالصدمة ، لأني لم أكن أتوقّع يوماً أن يطرق اسمي ويرشّح لمنصبٍ كبير لا يتعدّى درجة مدير أو رئيس تحرير لإحدى الصحف المستقلة أو المعارضة من التي تتصيّد وتعتاش على سلبيات وفضائح الآخرين من الذين نسوا حقوق وهموم الشعب ولم يفكّروا سوى بأنفسهم وتأمين مستقبلهم الاقتصادي قبل السياسي !.. أوكلت أمري إلى الله وطلبت من ولدي الكبير أن يقوم معي ليفحص ما يطلق عليه سيارتي الخاصة التي يعود عمرها إلى مطلع ثمانينيات القرن الماضي ذات اللون المميّز الذي لم يستطع أي صباغ سيارات أن ينتجه أو يصل إلى لونٍ مقارب له ليداري به تلك (الندوب) التي سيطرت على هيكل السيارة نتيجة تقادم الزمن أو القبلات التي كانت تتلقاها من (الخلف) أو (الأمام) مجبرة وليست مخيّرة !.. تم التأكد من جاهزية السيارة بتكامل زيت المحرّك والوقود (البنزين) العادي المليء بالرصاص وأعلم أنّه لا يرتبط بأي نوع من الصداقة مع (البيئة) وعلمت أن وزارة النفط تنوي التخلّص من هذا الإنتاج بعد تكاثر الأصوات المنادية بحماية البيئة من التلوّث .. وفات على هؤلاء الذين عرف عنهم الكلام أكثر من الفعل أن البلد لم يخرج من أزمات الوقود التي كثيراً ما تحدث بسبب أو من دون سبب وتساهم غالباً برفع الأسعار وانتشار بيع الوقود في السوق السوداء التي أصبح لها رجالها !.. أدرت محرّك السيارة واتجهت صوب العاصمة متحمّلاً مخاطر القيادة بالليل والكل يعلم ما تعنيه السواقة (ليلاً) على الطرق الخارجية التي تكثر فيها السيطرات المتنوّعة أو (المختلطة) !.. بين مدينتي والمركز شارع طويل تتوزّع عليه العشرات من نقاط التفتيش التي استحدثت جميعها (مطبّات) صناعية تجبرك على الوقوف بعد أن تتهيأ لذلك قبل مسافة طويلة ، تلك المطبات التي كنّا نسمع عن الذي يماثلها في (اليابان) التي تمتلك شوارع تصلح أن تتحوّل إلى (سفرة طعام) لأنّها مستقيمة ونظيفة ولا يشعر السائقين بأي حفرة نتجت بسبب الأمطار (الغزيرة) أو الفيضانات أو حتى الزلازل الكثيرة التي اعتادت عليها دولة (الكومبيوتر) وعرفت كيف تتعامل معها .. المطبات الصناعية في اليابان أوجدوها لكي تساهم بتحريك (دبلات) السيارات التي لابد لها أن تتحرّك لكي لا تصاب (الدبلات) بالشلل !. طيلة الطريق وأنا أدعو الله أن لا يتعرّض أحد دبلات (سيارتي) للعطب بعد أن تفاجأت العجلات بالكثير من المطبات الصناعية أو غيرها من الحفر التي لا يعلم بوجودها أحد وكانت بعضها تقطع عليّ التفكير الذي سيطر على مخيّلتي وأنا أتساءل عن الوزارة التي سيتم إسنادها (لي) !.. ثم كيف وقع عليّ الاختيار وأنا من كنت شاهراً سيفاً لأكتب به من خلال الصحف التي غادرت أغلبها حتى وجدت ملاذي في الصحيفة التي تطالعون فيها الموضوع الآن والتي أبقت نفسها في منأى عن الخضوع لطاعة أحد باستثناء الوطن الذي نتحرّك من أجله جميعاً وكلّاً حسب اجتهاده !.. راجعت ما مرّ بي عبر سنوات مضت وعرفت أني لم أكتب قصائد الغزل التي تتغنّى بأي حكومة مرّت على البلاد ولم أحسب على أي طرف سياسي أو رياضي ، داخلي أو خارجي وإن من كان يتحكّم بي هو (عقلي) الذي حشوته بكل ما وجدته في رحلتي مع الحياة الصعبة التي لا تتميّز عن غيرها من التي عاشها أي مواطن حمل الجنسية العراقية .. طال تفكيري وأن أحاول وضع الخطط التي سأقوم باعتمادها لخدمة وطني بعد أن أتتني الفرصة لأصبح وزيراً عن (جد) وليس بالحلم كما كان يحدث معي أو مع غيري كثيراً من الذين لم يبق لهم سوى الحلم ، كونهم لم يكونوا محسوبين على أي جهة أو حزب أو طائفة باستثناء حب الوطن !.. تلك الأفكار والحديث مع النفس أوقعتني بالحرج كثيراً ، لأني ضربت عدداً من (الحفر) والمطبات وأخطرها كانت تلك الموجودة في نقاط التفتيش التي كاد بعضها أن يتسبب بتركي للحياة وعدم التنعّم بمنصب (الوزير) بعد أن تم إشهار السلاح بوجهي عدّة مرّات لأني كنت شارد الذهن ولم ألتزم بالوقوف بطريقة حضارية في نقاط التفتيش الثابتة أو تلك المزروعة ك(كمائن) لتأمين مرور المواطنين أمثالي .. في إحدى السيطرات عرفت نفسي على حقيقتها عندما أمطرني أحد أفرادها بسيل من الكلمات الجارحة لأني لم أمتثل للوقوف قبل (المطب) الموضوع على شكل (تل) صغير يشابه (الأخدود) المقلوب ، حيث راح ذلك العنصر يتهجّم عليّ وكأني أحد رجال العصابات أو (الإرهاب) الخطرين ولم تنفع معه توسّلاتي أول الأمر واعتذاري حتى قلت لنفسي لم لا أخبره بأني ذاهب إلى (المركز) لأستلم منصب (وزير) ومطلوب مني أن أكون هناك بالموعد عند الساعة (الثامنة) صباحاً .. ضحك من قولي ذلك (العنصر) الذي أصرّ على إعطائه أوراقي الثبوتية وهو (يدمدم) بكلمات (هاي الجانت ناقصة واتجمّلت وزير ، إيه مو صار منصب الوزير لهيج شكولات طايح حظّها ، دشوف سيارتك الخردة هي هاي سيارة مرشح وزارة عيب عليكم كل واحد نقوم بسؤاله والاستفسار منه ، يدعي أنّه مسؤول ، عفية بلد المسؤولين صاروا بيه أكثر من الشعب) !. وأنا أهم بإعطائه ما يعرّف بهويتي الشخصية تحوّلت يدي بقدرة قادر لتخرج هوية التعريف بكوني (صحفي) .. قدمتها له ، فأمسكها بالمقلوب مع أني كنت أراه يحرك شفتيه وكأنّه يقرأ .. وصل عنصر آخر وكان يحمل رتبة لم أتبيّنها بادئ الأمر ، لكني عرفت بعدها أنّ صاحبها يحمل (تاجاً) مما يعني أنّه (رائد) نظر إلى الرجل (غليظ) اللسان وقال له .. ماذا تفعل (هو أنت تعرف القراءة حتى تأخذ هوية الرجل ، اقلب الهوية لأنّك ممسكاً بها بالمقلوب ، مو فضحتنا) ثم أخذ الرائد هويتي وما أن عرف بأني صحفي ، حتى رأيت منه ترحيباً حاراً واعتذارا غسل الأدران التي خلّفتها كلمات (التجاوز) التي سبق وأسمعني إياها ذلك (العنصر) !.. أعيدت هويتي وبكلمات تحمل الكثير من الرقي وجهني آمر السيطرة أن أواصل طريقي متمنياً لي سلامة الوصول .. وصلت العاصمة قبل لموعد بساعتين ، رغبت أن أملا خزان الوقود تحسباً للعودة ولكي أتخلّص لاحقاً من الزحام الذي يشتد في العاصمة بعد الساعة السابعة صعوداً !.. ركنت سيارتي قرب أحد المطاعم الشعبية لأتناول (الفلافل) وجبتي المفضّلة على (الفطور) كوني قد اعتدت على ذلك منذ تعرّفت على (فلافل بدر) التي لا يمكن مقاومتها والتي بسببها بت من الأصدقاء المقربين لأصحاب ذلك المطعم الشعبي ومن يعمل فيه في مدينتي الموصل غير (المتنازع) عليها ، لأن التركيز على هذه التسمية لا يشمل سوى (الأطراف) من الأقضية والنواحي ذات الأطياف المتعددة التي لم أر أو أسمع عن مثلها من حيث تلاحمها وحبّها في أي مكان في العالم !.. تناولت فطوري على (عجل) وبالكاد استقبلته (معدتي) الفارغة .. وصلت إلى مكان الاجتماع ولم يكن المنطقة التي حملت اسم أحد (الألوان) لأن الوزارة الجديدة لا يحق لها أن تتواجد هناك ما لم تحسم أمورها وكان عليها أن تجتمع في مكانٍ آخر وهو مقر لأحد التجمّعات الوطنية ، كونه حصل على أغلبية الأصوات والتي بموجبها سيقوم بتشكيل الحكومة التي لم تخضع للإملاء من أي طرف أو تتأثّر بشيء لترضي من كانوا يتنافسون معها ولم تعجبهم ما آل إليه الحال !.. حكومة (تكنوقراط) هو ما كان يدور في فكر من فاز بالانتخابات ، تعتمد الكفاءة والمهنية بعيداً عن المجاملات وغيرها وإلا لما وجدت نفسي وأنا المنتقد للكثير من الأمور التي حدثت أو تحدث من المرشحين لمنصب (وزير) !.. قبل دخولي للمقابلة التي ستكون مفصلية بين بقائي (صحفي) كما أنا أو التحوّل إلى وزير ، سألت نفسي أي الوزارات سيتم إسنادها لي .. معلوم أن وزارة الإعلام قد تم إلغاءها من مدّة وأصبح إعلامنا مستقلاً ومتنوّعاً رغم ميله في أحيان كثيرة إلى الجهة التي أوجدته أو تموّله !.. لم أكن راغباً في طرحي لاسم الوزارة التي أرغب بها ومع ذلك فوجئت عندما تقرر منحي وزارة (الشباب والرياضة) تلك الوزارة التي لم يتفهّم عملها قلمي فكان ينهال عليها بكافة أنواع النقد والتبصير وفي مرّات عبور الخط الأحمر لأصبح مع جريدتي في قفص الاتهام ومنتظراً عرضنا على القضاء الذي انتصر ليس لنا كأسماء ، بل كأناس أحبوا الوطن وبحثوا عن تثبيت أركان الحقيقة .. خرجت وفي جعبتي الأمر الإداري الذي يؤكد أني قد أصبحت وزيراً وأثناء سيري باتجاه (سيارتي) المولودة عام (1983) توقفت قربي سيارة سوداء اللون ترجّل منها شخص أستطيع تصنيفه وبسبب بنيته الجسمانية وعضلاته المفتولة في خانة (العمالقة) .. تحدث معي بأدب وصوت خافت (جداً) فقال .. تفضل سيادة الوزير هذه سيارتك (المصفّحة) التي تم تخصيصها لك وكانت هناك سيارة أخرى تقف على مقربة من السيارة السوداء يتواجد فيها أو على أطرافها ما لا يقل عن (12) شخصاً كلّهم يشابهون الشخص الذي كان يتحدّث معي وعرفت أنّهم من كلّفوا بواجب تأمين الحماية الشخصية لي !.. أخبرت الرجل (العملاق) أني أريد أن أقوم بتأمين مكان لسيارتي (رفيقة) دربي ومعاناتي ، فرحي وسروري وكربي ولابد لي أن أودعها باحترام وأضعها بمكانٍ أمين لأعود لاحقاً وأصطحبها معي .. أشار عليّ الرجل بنصيحة وجدتها مناسبة عندما أخبرني عن مرآب قريب أرتك فيه سيارتي التي قمت بقيادتها والموكب الوزاري يسير خلفي وكان يزعجني عندما تصدح أصوات (الأبواق) التي كانت تحثّني على ضرب إشارة المرور لأني بت شخصاً (مسؤولاً) ويحق لي ما لا يحق لغيري !.. لم أهتم لذلك واحترمت رجل المرور الذي توقعت منه أن يحترمني لأني احترمت إشارته ولكنه كان يصرخ بوجهي أن أفسح الطريق للسيارات الحديثة التي كانت خلفي ولم يعلم (المسكين) أنّها كانت تمثّل (موكبي) فأفلت منه كلمات أضحكتني رغم (قساوتها) فعرفت أن الرجل لم يكن يقصدها ولكنه كان يتحاشى بها ما يتوقّعه من تقريع أو تجاوز كان سيطال هيبته من قبل أفراد (موكبي) الذين أحب أحدهم أن يترجل ليعلّم رجل المرور درساً ، لكنني نهرته بإشارة من يدي فامتثل لي وسط دهشة رجل (المرور) الذي تفاجأ بما رآه ليقوم من فوره بأداء التحيّة لي فرددتها بأحسن منها !.. ركنت سيارتي (الحبيبة) في المرآب ومنحت صاحبه أجرة (أسبوع) مقدّماً ولم أعلمه أنّ هذه السيارة تعود لوزير الشباب رغم إلحاح عدد من أفراد موكبي !.. شاع خبر استيزاري بسرعة البرق وحتى قبل الإعلان عنه عبر وسائل الإعلام ، فكنت أتلقى التهاني عبر الهاتف الذي شارف على فقدان طاقته بسبب ما وصلني من مسجات ومكالمات من أناس أعرف بعضهم ولا أعرف (أغلبهم) !.. أخبرت مدير قائد موكبي أن يتجه بي إلى مدينتي وأثناء مروري بالطريق (الطويل والوحيد) سوّلت لي نفسي أن أمارس صلاحياتي وأحاسب (عنصر) السيطرة الذي أراد (إذلالي) !.. ثم عدلت عن ذلك رغم وسوسة الشيطان لي والتي لم تتركني وكانت تنمي لدي الشعور (بالعظمة) .. ألم أصبح وزيراً ؟!.. تملّكني شعور غريب لم أكن أتوقعه أن يسيطر عليّ بتلك السرعة .. كنت أتصرف كوزير رغم أني لم أتعوّد على بروتوكولات هذه (المهنة) أو (أتكيتها) .. هل حقاً أن منصب الوزير يعد (وظيفة) أو بالأحرى يطلق على صاحبه تسمية (موظّف) ؟!.. لا أدري وترك الإجابة للمستقبل .. وصلت منزلي الصغير المؤلّف من (غرفتين) وحمام وتواليت (موحّد) ومطبخ صغير جداً تكدّست فيه الحاجيات !.. أمام داري ترجلت وقبل أن أدلف إلى المنزل ، ترجل بعض أفراد حمايتي ليهجموا على (داري) بطريقة صاعقة ومباغتة زرعت الرعب بأفراد أسرتي ومن كانوا ينتظرون قدومي معهم من الأقارب والمعارف !.. دخلت وليتني لم أفعل .. ماذا وجدت .. أعداد غفيرة لا أعرف أغلبهم ينتظرون قدومي ومعظمهم يحملون (أوراق) ثبّتوا فيها طلباتهم ومشاكلهم ... كلّفت أحد أفراد حمايتي ليقوم بجمعها منهم وقبل أن يفعل كان ابني قد بدأ بالمهمة ورأيت ما يشبه أحد الألوان لنوع من (العملة) عرفتها بسرعة لأني اعتدت عليها بسبب قيام رئيس تحرير رياضة وشباب الزميل جعفر العلوجي تحويلها إلي عن قيمة راتبي وعبر أحد مكاتب الصيرفة (المجازين) !.. ورقات (خضراء) كان يلقيها ابني في جيبه الذي انتفخ ، فيما كان يضع الطلبات بطريقة عشوائية الواحد فوق الآخر ويؤكد لأصحابها أنها ستجاب قريباً !.. خرج من كنت لا أعرفهم وبقي عدد كبير من الذين أعرفهم كأقارب وأصدقاء ومعارف .. وقبل أن أجلس أو أحلل وأستحم بدأ الهجوم .. هذا يريد مني أن أعيّن أبنائه وذاك يطلب مني أن أجعله مسؤولاً عن حمايتي والآخر يطمع بمنصب مدير عام بوزارتي أما المقاولون الذين لا أعلم كيف دخلوا بيتي ، فهؤلاء الذين سبق وعرّيت الكثيرين منهم بسبب تجاوزهم على المال العام وعدم مطابقة ما أحيل إليهم من المشاريع مع المواصفات الفنية وهروب أغلبهم بملايين الدولارات التي لم يسأل عنها أحد ، وقفوا أمامي بطوابير وكل واحد منهم يحمل مجموعة مشاريع ومع كل مشروع أعدّوا دراسة (جدوى) مصحوبة برقم سألتهم عنه ، فأجابوني أنّها النسبة التي سنقدمها لك يا سيادة الوزير وهي لن تتأثر بغيرها التي سنمنحها لمن يليكم بالدرجة وصولاً للمهندسين !.. صديق لي كان يعمل بحقل التدريب (صدمني) عندما طلب مني أن أتوسّط له عند اتحاد كرة القدم ليصبح المدرّب الأول للمنتخب !.. صديق آخر كان معي أثناء خدمة العلم ، عرض عليّ تشكيل فوج للحماية يكون بعهدته بعد منحه (رتبة) عالية مع أنّه لم يكن سالماً (مسلّحاً) أثناء خدمة العلم !.. دخل عليّ أحد معارفي من الصحفيين وطلب مني أن أمنح منصب مدير (مديرية) محافظتي إلى شخص تعب كثيراً لكي ينال المنصب حتى وصل به الحال لصرف وتوزيع (عدة دفاتر) ليس دفتر أبو (الميّة) الخاص بالكتابة ، بل دفتر دولارات المؤلف من (100) ورقة أم أل(100) أي عشرة آلاف دولار ومع ذلك فالرجل لم يصل إلى غايته التي يطمح بالوصول إليها عن طريقي ... مسؤولون للفرق الشعبية كانت لهم حصّة بعد أن توسّطوا عند ابني (الوسط) وكلّهم يحلمون بملاعب ذات نوعية جيّدة وتجهيزات راقية لن تطرح لاحقاً عند محلّات بيع التجهيزات الرياضية التي يعيش أغلبها على ما يتم تسريبه إليها ، سواء من تلك التي تخصص للفرق الشعبية أو الأندية والاتحادات !.. تعبت وأنا أستمع للحضور فطلبت من أحد أفراد حمايتي أن يقوم بإخراج من احتلوا (داري) ويعتذر منهم بأدب على أمل أن أقابلهم لاحقاً ... كنت أسمع بأذني كلماتهم وهم يخرجون ، حيث قال أحدهم لم يمض عليه سوى ساعات كوزير وهاهو (يتكبّر ويرفع خشمه علينا) ويؤيّده آخر فيقول (يعني هو أحسن منّا حتى يصير وزير هذا لو ما عنده واسطة ما جان أحد فكّر بيه ، اشكد هو خبيث جان ينتقد الوزارة حتى أخذ مكان الوزير السابق خطية عن طريق اللف والدوران وإدعاء الوطنية) !.. قبل أن أهم بالجلوس مع أفراد عائلتي الصغيرة ، أعلموني بوصول وفد يمثّل عدداً من الأحزاب والحركات والمنظمات والتجمعات .. وجدت من غير اللائق أن لا أستقبلها ، كما أن ذلك ممكن يبعد عني نوابها في البرلمان لكي لا أتعرّض للاستجواب من قبلهم لاحقاً ، لأن الدنيا (ما بيها) أمان !.. جلست معهم واستمعت إلى طلباتهم وأغلبها انحصرت بكيفية توزيع المناصب التي تلي منصب الوزير وكل طائفة أو حركة أو حزب أو قومية تريد لها جانباً من (كعكة) الوزارة !.. أجبتهم بدبلوماسية ووعدتهم خيراً !!!.. وجهت حمايتي ليقوموا باستدعاء رئيس أقدم أندية المحافظة ، ذلك النادي الذي كنت أروم أن أنهض به وأوفّر له كافة ما يحتاج من دعم وملاعب ورواتب وعقود ، لأن أي وزير كان يجلس على كرسي الوزارة ، كان يفعل ذات الشيء ولنا شواهد بذلك !.. لم يتأخر علي من أرسلته ليأتي ويعلمني أن وفد رؤساء أندية محافظتي ينتظر الدخول للسلام عليّ !.. دخلوا وليتهم لم يفعلوا لأنّ طلباتهم التي رغبوا أن أوافق عليها ستستنزف كل ميزانية الوزارة وربما الدولة العراقية ، لأنّ أغلبها لم يكن معقولاً وتدخل في نطاق المصالح الشخصية ، فالتبست عليّ الأمور لأعامل (الأخضر بسعر اليابس) وأضيّع بين الجيدين وغيرهم !.. أخيراً وجدت فسحة من الوقت لأجلس مع عائلتي التي وجدت طباعها قد تغيّرت حيث بدأت طلبات جديدة لم أكن أتصورها أو أستطيع أن ألبيها لو طلبت سلفة عن جميع رواتبي حتى إحالتي على التقاعد !.. زوجتي التي أرادت لها سيارة خاصة وتكون هي الأخرى (مصفحة) مع أنواع مختلفة من الكماليات والملابس والأحذية و تعيين (حلاقة) تجيد فنون (الماكياج) ويفضل أن تكون متخرّجة من المدرسة الفرنسية لتضمن عدم تفكيري بالزواج من غيرها مع توفير (طباخة) مربية ومدبّرة منزل لكي ترتاح من (ضيم) السنين فيما كان ابني الكبير يرغب بسيارة ومشروع يكفل له الاستقلالية وحبذا لو كان شركة (مقاولات) لكي يتبنى من يتقدمون لمشاريع وزارة (أبيه) .. أما ابنتي فإنّها ترغب بسيارة وسائق على شرط أن أستعين بمدرسيها في الجامعة (حصراً) لمنحها دروساً خصوصية ولا بأس إن قاموا هم بالامتحان بدلاً عنها وبقي ولداي (الوسط) الذي لم تكن طلباته كثيرة حين رغب أن ألغي سنة رسوبه وأنقله إلى الصف الخامس إعدادي بعد نقل جميع من ساهموا برسوبه ولا أنسى أن أبني له ملعباً دولياً لكي يمارس هوايته وتأهيله لتمثيل منتخب الوطن !.. لم يبقى سوى الصغير الذي يدرس بالصف الثاني الذي أرادني أن أضرب معلّماته (بالعصا) وأجبرهن على كتابة واجباته والامتحان بدلاً عنه !.. طلبات مشروعة لأولادي ، ألم يصبح والدهم وزيراً ؟!.. عدت للمركز وأنا مثقل بالطلبات وطيلة الطريق لم أشعر لا بمطب أو حتى وقوف لأن إحدى سيارات حمايتي كانت تقوم بدور الكشاف وهي تمر على كافة نقاط السيطرة لأصل بسرعة تقارب من يتنقّل بطائرة وليس سيارة ذات دفع رباعي (أحدث) موديل !.. وصلت مبنى الوزارة وهناك وجدت جحافل المستقبلين من مدراء عامين إضافة لمدير أعلام وآخر لمكتبي وأوصيتهم أن لا يخفوا عني أي شيء ومهما كان وإلا سأقوم بمحاسبة من يتجاوز توجيهاتي !.. دخلت مكتبي الفخم وبدأ تقاطر من يعملون (بوزارتي) بالدخول عليّ تباعاً وكان أول اقتراح يصلني من مدير الإعلام الذي أخبرني أن أريح رأسي من قراءة الصحف باستثناء الحكومية وحجب بقيتها التي تدخل في تصنيف (المستقلة) أو (المعارضة) لأنّها (مشاكسة) وتتصيّد الأخطاء !.. لم يعلم مدير الإعلام أنّه بكلامه ذاك قد وجّه إلي طعنة نجلاء لأني كنت محسوباً عليها أو أنّه أغفل ذلك بعد أن رأى نقلتي النوعية ووصولي إلى كرسي الوزارة (دون) عناء !.. أيام معدودات قضيتها في الوزارة وأنا أرغب أن أصل بها إلى حد الكمال وهواتفي بدورها لم تنقطع عن الرنين ولكثرتها فقدت متعتي التي كانت تصلني عن طريق هاتفي الخاص ونغمة (أبو خالد) !.. توجيهات عليا تصلني أن أهتم بالمنتخب الكروي الأول وأمنحه كافة أنواع الدعم لكي يحقق انجازاً وقتياً ممكن يخفف من نقمة الجماهير ويشغلهم لبعض الوقت ، بذخ في غير مكانه على مشاريع وقتية بعد رفض جميع الخطط والأفكار والدراسات التي كنت أطمح أن أطبّقها لأبني شيئاً للمستقبل .. كررت ذات الأفعال التي كان يعتمدها من سبقني لأصبح أسيراً للمستشارين غير الصادقين في (نصحهم) ومشورتهم ، لأن أغلبهم أو جميعهم كانوا يبحثون عن إرضائي فقط !.. بدأت الهوّة تكبر بيني وبين من وجدت في منصبي من أجلهم حتى راحوا يهاجمونني بدون هوادة وكانوا محقّين بذلك ، لأني من خذلهم !.. توددت إلي الأحزاب لألتحق بأحدها وكدت أنتسب لأحدها لولا خوفي أن يسير كل من في الوزارة خلفي مع أني كنت متأكّداً أنّ أغلبهم لا يطيقوني ولولا تركي لهم ليتصرّفوا على هواهم لقاموا بقلعي من (جذوري) !.. لا أنسى بأني كنت قد اتخذت قراراً كان هو الأول لي عند دخولي مكتبي الوزاري وتمثّل بمنح (الإعلانات) إلى جريدة رياضة وشباب التي عانت كثيراً في الفترة السابقة بعد منعها من دون الوزارة وكان ذلك وفاءً مني للجريدة وكادرها الذي لم يقدّر لي ذلك فعاد ليهاجمني ويهاجم تصرفاتي وكل ما يتعلّق بوزارتي حتى أجبرني (العلوجي جعفر وفيلقه الإعلامي) أن أقرر من جديد حجب الإعلانات عنهم وعن جريدتهم التي صنّفتها بقائمة سوداء تم تعميمها على أقسام الوزارة .. نسيت بناء الملاعب وزيارة ما كان تحت الإنشاء منها لأني لم أرغب أن أكمل ما بدأه غيري لكي لا يسجّل الانجاز باسمه !.. أهملت الأندية وأبقيتها على (المكارم) والمنح وألغيت فكرة جعلها شركات كما هو مطلوب آسيوياً وعالمياً لأني رضخت لطلبات الوزراء أثناء جلساتنا الدورية الذين زرعوا في مخيّلتي أن الرياضة تدخل في خانة (الكماليات) فصدقتهم وليتني لم أفعل !.. تمرّ الأيام ووزارتي من سيءٍ إلى أسوأ والغريب لم أجد من يحاسبني ، لكون الجميع ومنهم من وضعوه لمراقبة عمل الوزارة قد بات هو الآخر بإمرتي ولا يخالف رأيي !.. خرجت التظاهرات المنادية بتنحيتي وهذا رغم مرارته عليّ ، إلا أنّه أشعرني بالسعادة وأعاد لي جزءً من رشدي (المفقود) .. تحقق للمتظاهرين ما أرادوا ونجحوا بأول ربيعٍ قادوه ضدي فأفلحوا بإجباري على الاستقالة التي وجدتها خير ثمن أدفعه للتكفير عن أخطائي ورفضي والتمتع براتب التقاعد المجزي رغم مرور بضعة أشهر على وجودي في وزارتي كوزير !.. استقلت ولست نادماً على ذلك لأني عرفت من هذه التجربة أن منصب الوزير ثقيل ومسؤوليته كبيرة لا نستطيع أن نعطيها حقّها ما لم نعش التجربة !.. عذرت الوزير السابق ومن ثم اللاحق الذي سيليني لأنّهم جميعاً لم يكونوا السبب بالإخفاق أو (الفشل) وإنما السبب بالحاشية والحجّاب والمستشارين والأدعياء من المادحين والمنتفعين الذين زرع بعضهم الفتنة بين الوزارة والأولمبية وبقية (المؤسسات) الرياضية التي لم تعد تقوى على شيء !.. كانت لي أحلام لم أستطع أن أحققها لبلدي والسبب كان في ضعفي ليس أكثر لأنّه جعلني أسيراً للمنصب !.. تركت الوزارة كما دخلتها أوّل مرة ، لأتجه إلى المرآب الذي وضعت فيه سيارتي وهناك وجدتها (حطاماً) وعندما سألت عنها عرفت أنّ قوّة أمنية هي من قامت بتفجيرها بعد أن شك صاحب المرآب بأمرها ليبلغ عنها ويحصل لها ما حصل وحال تعرّفه عليّ استدعى قوة أمنية ألقت القبض عليّ ولم ينفع معهم كوني كنت وزيراً (سابقاً) فاقتادوني إلى أقرب مركز وهناك استذكرت رقم زميلي الصحفي جعفر العلوجي الذي خشيت أن أستعين به لأني لم أكن وفياً معه عندم
الكاتب: طلال العامري