لم يوضع الإنسان المناسب في المكان المناسب طيلة ما يقرب من خمسين عاما، منذ تأسيس دولتنا في غفلة منا وحتى يومنا هذا، كما وضع فيه اليوم وخلال العقد الماضي تقريبا، حيث تم تحقيق هذه المقولة أي مقولة ( الإنسان المناسب في المكان المناسب ) بنسبة انجاز تجاوزت والعلم عند الله أكثر من سبعين بالمائة، من مجموع من شغلوا مواقع المسؤولية في البلاد وخاصة من المتخصصين والمخضرمين في خفة اليد ودقة اللغف، وعلى مختلف المستويات ابتداءً من النواحي والاقضية والمحافظات ومجالسها بالذات، وصولا إلى الحكومة الرشيدة جدا ومجلس النواب الموقر، وبقية مفاصل المسؤولية وخاصة القائمين على التسليح والتجييش وحفظ الأمن ومكافحة الإرهاب والهيئات المستقلة جدا جدا!
ولكي نكون منصفين ولا نحرق الاخضر بسعر اليابس يستثنى من كتاباتنا هذه وبأثر رجعي ومستقبلي كل من أثبتت وسائل الحس الخمسة مضافا اليها شهادة العقل والمجتمع نزاهته وطهارة أياديه وسلوكه، ونعود الآن بعد الاستثناء لكي نطلع على حجم الموازنات منذ 2005م وحتى موازنة هذه السنة التي ما زالت في مرحلة ( الجرجرة ) أو ( واحد ايجر بالطول والآخر بالعرض ) وما خصص للطاقة وبالذات الكهرباء والماء والصحة والتعليم والجامعات والتسليح والأمن والشرطة ومكاتب الرؤساء الثلاثة حفظهم الله ورعاهم وأبقاهم في أمكنتهم المناسبة جدا حتى يرثوا البلاد وما فيها مع وزرائهم الأطهار وخاصة من هم بالوكالة، والوكلاء الذين لا يشغلهم عن الطهارة والنقاء وبياض الأيادي إلا ما يبطل الوضوء عندهم؟
بعد الاطلاع تبين إن حجم تلك الموازنات قد تجاوزت 600 مليار دولار من غير الضرائب وإيرادات الكهرباء ( والكهرباء غير موجودة ) والماء والمطارات والمنافذ وسوق مريدي للقومسيونات النفطية وغيرها من الواردات، إضافة إلى ما يصل جيوب العديد ممن يشغلون مواقهم تحت شعار الإنسان المناسب في المكان المناسب من عمولات الوساطات وخاصة في التعيين والحصول على التندرات لمشاريع على سطح القمر والمريخ في مراكز الاقضية والمدن الكبيرة وبالذات ممثلي الشعب في البرلمانات الصغيرة في المحافظات الذين تحول العديد منهم الى معقبي دعاوي وقومسونجية؟
أقول قولي هذا ونحن نشهد اليوم متغيرات حادة أدت إلى انهيار أنظمة شمولية بشكل مثير، كنا نطمح فيها جميعا إلى تغير الحال إلى الأفضل، لكن ما حدث ويحدث الآن هو استغلال قوى أنتجتها تربية وتأثيرات تلك الفترة المظلمة، لمشاعر الأهالي وحرمانها وانكساراتها التي دفعت كثير من تلك المجموعات إلى دفة الحكم، ويتسلط فيها اللصوص والفاسدين على مقدرات الشعوب وثرواتها، لتبدأ حقبة خطيرة في تاريخ هذه المنطقة الموبوءة بشتى أنواع وأشكال الأمراض النفسية والاجتماعية والاقتصادية، ناهيك عن سرطان الأنا الدكتاتورية المزروعة فينا جميعا من الأسرة وحتى الملك المفدى أو الرئيس الضرورة.