صدر مؤخرا عن جمعية تطاون أسمير بتطوان، ديوان شعري مترجم بعنوان "دخان الكيف" للشاعر الإسباني الكبير أنطونيو رودريغيز غوارديولا Antonio Rodríquez Guardiola، يضم حوالي خمسة وسبعين صفحة من الحجم المتوسط، ويزين واجهة الغلاف صورة بديعة لضريح مولاي علي بوغالب تعود إلى فترة الاحتلال الإسباني للمغرب.
وإذا كان صدور ديوان شعري أمر يستحق الإلتفات والإحتفاء، فإن ما يثير الإعجاب ويستحق الإشادة هو قيام المؤرخ والمترجم القصري الذائع الصيت، الأستاذ محمد أخريف، بترحمة هذا العمل الذي لا يستحق القراءة وحسب، بل يستحق الإنكباب عليه بالدراسة العميقة والرزينة لنفض الغبار عن صورة المغرب لدى الآخر، التي جاءت هذه المرة مخالفة للنمط الإستعماري التقليدي، حيث يظهر المغربي كرمز للتخلف والبداوة. وربما كان هذا الدافع الخفي المهمين على اهتمام الأستاذ أخريف، باعتباره مؤرخا وباحثا في المدارات والتقاطعات التي تحدث بين حقل التاريخ وباقي الحقول الثقافية الأخرى، قلت ربما كان هذا، إضافة إلى الذائقة الجمالية لديه، هو ما دفع الأستاذ على العمل الشاق من أجل تقديم هذا العمل إلى القراء المغاربة، لجعله مرآة منصفة هذه المرة، يرى فيها الشعب المغربي صورته الجميلة لدى الآخر.
والجدير بالإهتمام، أن هذا العمل قام بمراجعته الأديب القدير الدكتور محمد علي الرباوي ، والمترجم يوسف اليملاحي، كما حظي بتقديم جميل، أحاط بالحيثيات التاريخية والإجتماعية التي كتبت فيها هذه القصائد، وكذا بعدها الجمالي والفني، أنجزها الشاعر الشاب، الأستاذ أنس الفيلالي.
وقد ضم هذا العمل إحدى عشرة قصيدة باللغة الإسبانية مع ترجمتها العربية، وتدور كلها في فضاءات مدينة القصر الكبير، راسمة صورة حضارية صادقة للمدينة في جمالها وبساطتها، التي لا تنفصل عن بساطة سكانها.
وإذا كان هذا الديوان قد تطلب تظافر جهود كل من المؤرخ والشاعر والمترجم من أجل تقديمه إلى القارئ المغربي والعربي، فلا يسع المرء إلا أن يأمل في أن يحتل فاتحة
تدشين مشاريع أدبية كبرى، عمادها الذات والآخر، لتأسيس مدارات إنسانية أرحب بين الشعوب، على شرط استفادة المثقفين والدبلوماسيين من هذا الدرس الأدبي الرفيع.