نعت وزارة الثقافة فقدان رمز من رموز العراق الشامخة ألا وهو المهندس والمعماري الكبير محمد مكية الذي وافته المنية بمنتصف ليل يوم الأحد في مستشفى "كوليج" بلندن عن عمر ناهز المائة عام تاركاً مسيرة حافلة بالإنجازات الكبيرة في مجالات العمارة والفن والثقافة.
وقالت وزارة الثقافة في بيان لها: تلقينا ببالغ الحزن والأسى نبأ وفاة رمز من رموز العراق الشامخة أعطت كل ما لديها من انجازات كبيرة في مجالات العمارة والفن والثقافة، مبينة إنّ العراق يزخر بمبدعين قدموا عصارات فكرهم في كافة المجالات واثبتوا انتماءهم الوطني ومنهم المهندس والمعماري الكبير محمد مكية.
وصمم الراحل مكية بين الستينيات والتسعينيات من القرن العشرين٬ عشرات الجوامع والدواوين والقصور الأميرية ومباني الوزارات والمنظمات الحكومية والبنوك والمتاحف والجامعات والمكتبات في العراق والبلدان العربية والإسلامية وغير الإسلامية٬ وكانت تصاميمه تفوز دائما عن طريق لجان التحكيم الدولية.
والراحل الدكتور محمد صالح مكية من مواليد محلة صبابيغ الآل ببغداد عام 1914م، أكمل فيها دراسته الأولية ثمّ درس الهندسة المعمارية في جامعة ليفربول في بريطانيا ونال درجة البكالوريوس عام 1941 وحصل على الدبلوم في التصميم المدني من الجامعة نفسها، أما الدكتوراه فقد حصل عليها عام 1946م من كلية "كينغز جامعة كمبردج" في بريطانيا، وكان موضوع أطروحته (تأثير المناخ في تطور العمارة في منطقة البحر المتوسط)، وعاد إلى بغداد في العام ذاته وأنشأ (شركات مكية للاستشارات المعمارية والتخطيط). وفي الخمسينات، وضع تصميمات لمبان سكنية وتجارية واتسعت معرفته بتراث الهندسة المعمارية العراقية، إضافة إلى ذلك، كان الدكتور مكية أحد المؤسسين الأصليين لقسم الهندسة المعمارية في كلية الهندسة بجامعة بغداد في عام 1959. وظل رئيسا للقسم حتى عام 1968. وفي الأعوام التالية، أقيمت مكاتب لشركة مكية في كل من البحرين وعمان ولندن والكويت والدوحة وأبو ظبي ودبي.
اختير خبير في الأمم المتحدة عام 1951م، كما انتخب رئيساً لجمعية التشكيليين العراقيين في بغداد عام 1955م فضلاً من أنه أحد مؤسسيها الأوائل مع جواد سليم وفائق حسن، كما انتخب عام 1967م عضواً بالمجلس الدولي للنصب التذكارية في روما.
حصل على وسام التميز من ملكة بريطانيا اليزابيث في شباط عام 2014 برسالة بعثتها الملكة لبلوغه من العمر مئة عام.
في احتفالية أقيمت في بغداد لمناسبة مرور مائة عام على ولادته بعث الراحل رسالة قال فيها:
"الأعزاء والأحباء في بغداد الروح والوجدان والمعاني الكبيرة.. إنه لشرف لي أن أخاطبكم.. وكم وددت لو أن هذه الأعوام المائة تعينني للوصول إليكم والاجتماع بكم والاستئناس بوجوهكم وكلماتكم..
بغداد أيها الأحبةُ جوهرة من جواهر العصر.. ربما تمرض.. تتعب.. تئن.. لكنها لا تشيخ.. فزمن المدن العظيمة مغاير لتفسيرنا للزمن..
المدن تمتلك روحها.. وهي روح يمكن تلمّسها.. شمها.. الشعور بها.. بكل مكان...
من المؤسف أنّ بغداد تتعرض إلى تشويه لذاتها وصفاتها منذ عقود.. من المؤسف أنّ العمارة لم تكن دائماً تنتمي إلى تلك العلاقة الأصيلة مع النهر والضفة والروح الساكنة بينهما.
اعتنوا ببغدادَ لتعتني بغدادُ بكم.. اعتنوا بالعراق الذي منحنا الكثير، رغم كل الأوجاع..".
من انجازات المعماري الكبير محمد مكية:
جامع الخلفاء، وبوابة مدينة عيسى في البحرين، والمسجد الكبير في الكويت، وجامع إسلام أباد في باكستان،وجامع قابوس الكبير في عمان، وجامع تكساس في الولايات المتحدة الأميركية، وجامع روما في ايطاليا، وبيت الدكتور فاضل الجمالي رئيس وزراء العراق الأسبق، وغيرها كثير.
من الكتب المهمة التي تناولت الراحل: كتاب للدكتور خالد السلطاني بعنوان (محمد مكية مائة عام من العمارة والحياة) صادر عن دار الأديب البغدادية يوثق بالتحليل والصور المشاريع والتصاميم التي أنجزها.
وكتاب للدكتور علي ثويني عن دار ميزوبوتاميا في بغداد بعنوان (المعماري محمد صالح مكية.. تحليل للسيرة والفكر والمنجز)، وهو سفر موسوعي يتطرق إلى شجون العمارة والفكر والتاريخ والمجتمع والنفس المرافقة لسيرة الدكتور مكية .
رحم الله شيخ المعماريين العراقيين محمد مكية العاشق والمغرم بمدينة بغداد ونهر دجلة.
الكاتب: بغداد / جاسم حيدر
|