September 19, 2012, 9:02 pm

اعتدنا ومنذ سبعينيات القرن الماضي يوم كان شعار (الصمود يصنع النصر) هو المسيطر على الساحة العراقية ، رغم الخيرات الكثيرة التي كانت تسكن في باطن الأرض العراقية ، التي خرج منها ما خرج وبقي الكثير ينتظر يومه و(ساعته) !.. في تلك الفترة جاء إلى الموصل رجل سوري يدعى (بدر) ، حيث قام هذا الرجل وبعد أن درس واقع اقتصاد الشارع الموصلي ، بافتتاح محلٍ لبيع الفلافل (السورية) التي لم نكن نعرفها نحن العراقيون إلا من خلال الأفلام المصرية أو تلك السورية المصرية اللبنانية المشتركة !.. قرب سينما (حمو رابي) التي افتتحت في تلك الحقبة وفي (دكانٍ) صغير جداً بدأ مشروع بدر وعلّقت اللافتة (فلافل بدر الشهيرة) !.. أيام قليلة مرّت ،لتكون السيادة للفلافل التي دخلت الموصل مع دخول مدرّب بدرجة (وزير) يدعى (زيا اسحق) كون وزارة الشباب في تلك الحقبة أرادت تطوير كرة المحافظات ، فأرسلت خيرة المدربين إليها لغرض بناء القواعد (فيها) وكسر احتكار (المؤسسات) أو فرق العاصمة المسيطرين على كرة القدم !. نزل زيا اسحق في فندق أطلس وكان من أفضل فنادق المحافظة في وقتها وأراد أن يعوّد أبناء الكرة الموصلية على كيفية التجمّع ، فقام بإسكان العناصر التي تتدرب بمعيّته في ذات الفندق لفترات معيّنة تسبق المباريات ، وكان الرجل قد وضع منهاجاً متكاملاً لفريقه يبدأ بالتغذية مروراً ببقية الأمور ، وأذكر أن مطعم الكهف (الأشهر) في الموصل وقتها والذي كان يتوسّط شارع الدواسة ، هو المفضّل لتقديم وجبات التغذية التي يشرف عليها (زيّا) ، لكن كثير من لاعبي الفريق كانوا لا يلتزمون بالذي يتناولون من طعام وكانوا يغافلون المدرّب ليتجهوا إلى (دكان) فلافل بدر ليدفعوا له (50) فلساً مقابل الحصول على (لفّة) معتبرة اعتادوا على تناولها مع مرور الأيام والتي ربطتهم بعلاقة وثيقة مع (بدر) ومن ثم أولاد بدر الذين تربوا في محل والدهم وتشرّبوا الصنعة منه ليحافظوا على (سرّ) نكهة الفلافل التي يصنعونها والذي لا يعرفه أحد حتى يومنا هذا ، باستثناء من وثقوا بهم من عمال وأصدقاء .. تمرّ الأيام بالتتابع والعلاقة التي تكوّنت بين كرة الموصل ومحل بدر ، باتت تشبّه بعشق (قيس) إلى (ليلى) مع أن قيس لم ينل من ليلى لا قبلة ولا أي شيء آخر !.. صعد الموصل وهبط الموصل ، تبدّلت وجوه وتغيّرت (أقنعة) وبقي بدر يقدّم (قطعه) الثلاث من (حبّات) الفلافل في (صمونة) طرأ عليها التغيير حيث (حجب) صمون (المصلحة) المصنوع من الطحين (الأبيض) أو ما يسمى (الصفر) حينها والذي كان (مدعوماً) ويقدّم بسعرٍ زهيد جداً ، ليدخل الصمون (الحجري) إلى الخدمة ولم يبارحها لحد الآن ، مع أنّ التلاعب بحجمه ووزنه بات أمراً محتوماً ومقدّراً علينا !. ارتباط كرة الموصل مع فلافل (بدر) ، دفع بالكثير من نجوم الكرة العراقية الذين كانوا يزورون الموصل لمواجهة فريقها الأم ، لا يحلو لهم إلا أداء (الحج) لهذا المكان والتنعّم بوجبة فلافل (لذيذة) لم تكن تكلّفهم شيئاً ، لأن بدر وأولاده أصدروا قراراً يقضي بإجراء تخفيضات على الأسعار (الزهيدة) أصلاً  من أجل عيون الرياضيين القادمين من المحافظات أو أبناء المدينة ولكافة أنواع الفعاليات .. بداية الثمانينيات ، دخل المصريون العراق وانتشروا على أرضه من الشمال إلى الجنوب ، فأدخلوا هم أيضاً فلافلهم و(فولهم) ، لكن فلافل بدر بقيت مسيطرة على (الوضع) رغم الغزو (الكثيف) لمحلات الفول والفلافل التي سيطرت على شارع الدواسة وبقية شوارع الموصل !.. مخصصات لاعب الكرة وقتها لم تكن لتتجاوز بضعة (دراهم) وفي أفضل الأحوال كان لسحر الدينار سيطرة لا يستهان بها ، لأنّه كان كفيلاً أن يغطي نفقات دعوة عند بدر لأكثر من (20) شخصاً) !.. اللاعب لا يفكر سوى بحب المدينة أو الفريق والنادي الذي يمثّله ، فعاش الجميع من أجل إسعاد جماهيرهم ، لأنّهم كانوا (هواة) وهو ما أرادت الدولة أن تعززه ، لكي تطبّق (المبدأ) الاشتراكي عدو (الرأسمالية) !.. كان الجميع لا يفكّر بالمستقبل ، وبقي التفكير الآني الذي جعل الكرة العراقية نوعان ، قسم يتبع (فلافل بدر) والقسم الآخر لحق بالهامبورغر الذي كان رمزاً للرأسمالية !. الغريب بالأمر أن من باتوا يأكلون الهامبورغر كانوا قسماً ممن أكلوا (الفلافل) وتمّت ترقيتهم ليكونوا ممن يلعبون بأنديةٍ تتبع (بعض) المسؤولين أو من يطلق عليها أندية (الدولة) !. لن نقوم بتسمية أياً منها ، لأن الجميع يعلم ما نقصد ، كون الذين سيطروا على الرياضة في تلك الحقب ، هم أيضاً أهملوا المحافظات أو أندية (الفلافل) التي خرجت اليوم من (المولد) بلا (حمّص) مع أن الفلافل لا تصنع إلا من (الحمّص) !. مليارات بتنا نسمع عنها وشقق وقصور وأحدث السيارات توزّع أو تغري المواهب ، لكي ينسلخوا من وطن (الفلافل) ويلتحقوا بأفخم المطاعم ، وهؤلاء على قلّتهم وبعدهم عن الأغلبية ، وقلّة ثقافتهم (الاحترافية) أصبحوا من يتلاعبون بالأندية الرأسمالية التي تفرح بالذي يحدث لها ، لكي تفاخر أنّها مسيطرة في الساحة ويشار لها (بالبنان) وتحقق أمجاداً تفرض على التاريخ الكروي العراقي ، لا لشيء ، إلا لأنّها أصبحت (غنية) في غفلةٍ من الزمن الذي يعجّ به (الفقراء) !. في كل السنوات الماضية لم نجد من يخطط لكي يضع القانون الصحيح لبناء كرة حقيقية تعتمد الاحتراف بكل مفرداته ، ويكون ذلك من خلال قانونٍ يسنّ لكي يطبّق بعد توفير كل سبل إنجاحه عن طريق الحكومة أولاً ، ومن يعملون في هذا الحقل ثانياً .. نحن نعلم أن جميع أنواع الأطعمة (الدخيلة) باتت تتغلغل في العراق ، والكثير منها ، قد يجلب معه أمراضاً لم نكن نعرفها ، لذا يتوجّب أن ندرس ما يفيدنا ونعززه ونطوّره على أن يتم شمول الجميع به ، وبعكس ذلك ، فإن جحافل من سيقفون بالطوابير أمام (دكان) فلافل بدر أو (مثيلاتها) سيكثرون وقد يبتكرون ما يسد رمقهم ، ليكون لهم السلوى في الواقع المفروض عليهم والذي لن يتخلّصوا منه ، إلا بعد أن تعمّ العدالة ربوع الرياضة العراقية وأنديتها ، كون الجميع أبناء للوطن ، ومن أصبح لديهم المال ، حصلوا عليه من الوطن وخيره وإن اختلفت التسميات أو الجهات التي تعطي ذلك (المال) ، يبقى عراقياً ومن خير وميزانية (الدولة) !.. نرجو حسم الأمر ، إما بالعدالة التي يتطلّع إليها الجميع أو بتصنيف أهل الرياضة كطبقات ليست على أساس ما يتم تحقيقه من مراكز ، بل هذا إنسان رياضي (درجة أولى) وذاك (إنسان) رياضي درجة (ثانية) .. أو هذا يأكل (الهامبرغر) وذاك من طوابير (الفلافل) !.. وأهم قرار يجب أن يعمم ، هو إلغاء الرياضة من خانة (آكلي) الفلافل الأغلبية ، لكي يشبع من تعوّدوا أكل اللحوم ، حتى وإن كان لحم حرّم (أكله) وكان لآخرين يحملون ذات الصفات والجينات ، لكن درجات التصنيف هي من ظلمتهم !.. سنبقى خلف فلافل بدر ولا تستغربوا أن ترونا في يومٍ ما وقد شكّلنا (حزباً) يحمل اسم (فلافل بدر) المنقذة ، لأنّها لم تتخلّى عنّا في أشد الظروف وأصعبها !!.. دمتم ولنا عودة ...

** ملاحظة مهمة **

قد يجد البعض أن ما كتبناه ، يمكن أن يدخل في خانة (الدعاية) لفلافل بدر الشهيرة ، فنخبرهم ، أن ظنونهم لم تكن في محلها ، وعليهم أن يتأكدوا بأنفسهم من أن بدر لا يحتاج إلى دعاية ، وليت أولئك الذين سيتقوّلون ، استطاعوا قراءة ما بين السطور لكي يقرروا لاحقاً الذهاب إلى محل فلافل بدر والوقوف بطابور الأغلبية من الرياضيين وغيرهم !!