التقيته قبل أيام في إحدى مقاهي الموصل، رجلا كانت تصغي له الملايين، من متابعي إذاعة الـ "بي بي سي"، والتي عمل طويلا فيها، وله تاريخ في الصحافة العراقية، والعربية، والعالمية. اليوم وبعد أكثر من نصف قرن من عمله وجد نفسه وحيدا عاطلا عن العمل، يتشبث بتلابيب أحلامه، التي رسمها عبر عمله السابق، تحدث معي بكل الم وحسره عن ما يعانيه، وبكى.. بعد ان كان يبكي مستمعيه عبر هيئة الاذاعة البريطانية، عندما نقل خبر دخول اول دبابة الى ساحة الفردوس..
عميد المراسلين العرب في العراق الصحفي صبحي حداد، من مواليد الموصل 1939، بدايته كانت منذ عام 1955، عمل في العديد من المؤسسات الصحفية العالمية، بدأها مع وكالة الإنباء العراقية، ومن ثم انتقل للعمل في وكالات عالمية عدة، منها: كوكالة انباء تاس السوفيتية، ونوفوستي السوفيتية، ورويترز، واسوشييتد بريس، والوكالة الاسبانية، وصحيفة يميوري شمبون اليابانية، وصحيفية وتلفزيون اساه اساهي اليابانيتين، وصحيفة واشنطن بوست الامريكية، وهيئة الاذاعة البريطانية بي بي سي، ووكالة انباء الصين. رافقته الى ديوان احد شيوخ عشائر الموصل المعروفين، بعد ان دعاه لتكريمه احتفاء بتاريخه الصحفي، بعد ابتعاد الجهات الحكومية عن تكريم رموزها العظيمة.
الشيخ عبدالله حميدي عجيل الياور شيخ مشايخ عشيرة شمر في العراق، لأول مرة التقيه وجدته رجل طيب وكريم، ومعطاء، ويحمل كل صفاة الكرم والطيب، ووجدته ايضا رجل يحب وطنه، ويحب كل المبدعين من اهل مدينته، اجتمع بالحداد خلال حفل التكريم، مانحا الحداد درع الابداع، بحضور رئيس فرع نقابة الصحفيين العراقيين في نينوى فوزي القاسم، وعضو مجلس محافظة نينوى حمير الطه. الياور قال، "ان مشكلتنا في العراق أننا لا نتذكر مبدعينا ونكرمهم، إلا بعد أن يغيبوا عنا، أو بعد موتهم، أو سفرهم خارج البلد، وهذا خطا كبير لبلد لا يقدر ابناءه الا بعد ان فقدانهم.. لقد فقدنا كثيرا من المبدعين في العراق، من الصحفيين، والفنانين، والمبدعين، والاطباء، والمعلمين، والضباط، وشيوخ العشائر".
وتساءل الياور، "هل جزاء الاحسان الا الاحسان؟".. مشيرا الى، "ان هناك مسؤولين يفتقدون للشعور بالمسؤولية تجاه مبدعي العراق، وهم كثر، واليوم نحن نحتفل بتكريم مبدعين وعلمين من اعلام الموصل، الدكتور صبحي حداد الصحفي المخضرم، وبيات حسين مرعي، الذي قدم هو الاخر شيئا للعراق نفتخر به.. شكرا لصبحي حداد لنقله الصورة الواقعية مجازفا بحياته من اجل الحقيقة". من جانبه قال حداد، "هذه هي المرة الاولى التي اكرم فيها في العراق. في الخارج كتبت عني كثيرا الصحافة الأجنبية، لكن وللأسف لم تكتب عني الصحافة العراقيه اي شيء. لقد كرمتني شخصيات كبيرة، من رؤساء دول وغيرهم، وحتى امبراطور اليابان". واضاف الحداد، "بعد هذه السنين من العمل لم اقدر من الحفاظ على اي شيء من ارشيف عملي، لان الانظمة السابقة بمخابراتها صادرت كل ارشيفي، لأنني لم انتمي لأحزاب السلطة، واليوم وللمرة الاولى احسست بوجودي، وعرفت ان هناك من قيمنا بحق، في مقدمتهم الشيخ عبدالله حميدي الياور".
ويتابع، "انا كنت دوما معارض للسلطة، ولم انتمي لأحزاب السلطة، ولم يمر نظام في العراق الا وزجني في السجون، والسبب في ذلك توجهاتي الوطنية، ومقالاتي النقدية، فكانت المخابرات العراقية تستدعيني بعد نشر كل مقال او قصه خبريه، وتحقق معي".
وبين الحداد، "اليوم وبعد هذه السنين من العمل، اصبحت عاطلا عن العمل، ولا اجد من يعينني على مصاعب الحياة، وانا ملاحق منذ زمن نوري السعيد".
يذكر ان للحداد انجازات عديده في مقدمتها تغطية الحرب العراقية - الايرانية من عام 81 الى 88، وكذلك تغطية حرب الخليج الثانية، و تغطية احداث احتلال العراق 2003، والتقى بعدد كبير من رؤساء الدول والشخصيات المعروفة، بمقابلات صحفية داخل وخارج العراق، وحاز على وسام غينيس للقصة الخبرية، حيث وصل عدد القصص التي كتبها في يوم واحد الى 26 قصة خبرية، فضلا عن 70 خبرا في يوم واحد، وذلك في عام 1985 رشح لنيل جائزة (بولتزر) نوبل للصحافة.
يعتبر الدكتور صبحي حداد من الرعيل الاول من مؤسسي نقابة الصحفيين العراقيين، التي شارك بتأسيسها مع الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري "رحمه الله" عام 1959، ويحمل تسلسل الهوية رقم (12).
كما انه يعتبر اول صحفي عراقي يعمل مراسلا في الصحافة الاجنبية، وحمل لقب عميد المراسلين العرب والاجانب في العراق، ويعتبر اول صحفي عراقي ادخل الصحافة اليابانية والاسبانية الى العراق، وقد كانت تنشر اخباره اليومية في اكثر من 3500 صحيفة عالمية يومية.